فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن نساء الأنبياء لا يزنين، وكان يقرؤها: {إنه عمل غير صالح} يقول: مسألتك إياي يا نوح عمل غير صالح لا أرضاه لك.
وأخرج أبو الشيخ من طريق سعيد عن قتادة في الآية قال: إنه لما نهاه أن يرجعه في أحد كان العمل غير صالح مراجعة ربه في قراءة عبدالله: {فلا تسألن ما ليس لك به علم} وعن غير قتادة: كان اسم ابن نوح الذي غرق كنعان، وقال قتادة: خالف نوحًا في النية والعمل.
وأخرج أبو الشيخ عن أبي جعفر الرازي قال: سألت زيد بن أسلم قلت: كيف تقرأ هذا الحرف؟ قال: {عمل غير صالح}.
وأخرج ابن المنذر عن علقمة قال: في قراءة عبدالله: {إنه عمل غير صالح}.
وأخرج ابن جرير: {إنه عمل غير صالح} يقال: سؤالك عما ليس لك به علم.
وأخرج الطيالسي وأحمد وأبو داود والترمذي وابن المنذر وابن مردويه من طريق شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ: {إنه عمل غير صالح}.
وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي والطبراني والحاكم وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية من طريق شهر بن حوشب عن أم سلمة رضي الله عنه قالت «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأها: {إنه عمل غير صالح} قال عبد بن حميد: أم سلمة رضي الله عنها هي أسماء بنت يزيد كلا الحديثين عندي واحد».
وأخرج البخاري في تاريخه وابن مردويه والخطيب من طرق عن عائشة رضي الله عنها «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ: {إنه عمل غير صالح}».
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أنه قرأ: {إنه عمل غير صالح}».
وأخرج ابن جرير عن عكرمة رضي الله عنه قال: في بعض الحروف {إنه عمل عملًا غير صالح}.
وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك رضي الله عنه: {إنه عمل غير صالح} قال: كان عمله كفرًا بالله.
وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير رضي الله عنه. أنه قرأ: {عمل غير صالح} قال: معصية نبي الله.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {فلا تسألن ما ليس لك به علم} قال: بين الله لنوح عليه السلام أنه ليس بابنه.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن زيد رضي الله عنه: {إني أعظك أن تكون من الجاهلين} قال: أن تبلغ بك الجهالة أني لا أفي بوعد وعدتك حتى تسألني. قال: فإنها خطيئة رب إني أعوذ بك أن أسألك الآية.
وأخرخ أبو الشيخ عن ابن المبارك رضي الله عنه قال: لو أن رجلًا اتقى مائة شيء ولم يتق شيئًا واحدًا لم يكن من المتقين، ولو تورع من مائة شيء ولم يتورع من شيء واحد لم يكن ورعًا، ومن كان فيه خلة من الجهل كان من الجاهلين، أما سمعت إلى ما قال نوح عليه السلام: {إن ابني من أهلي} قال الله: {إني أعظك أن تكون من الجاهلين}.
وأخرج أبو الشيخ عن الفضيل بن عياض رضي الله عنه قال: بلغني أن نوحًا عليه السلام لما سأل ربه فقال: يا رب إن ابني من أهلي. فأوحى الله إليه. يا نوح ان سؤالك إياي أن ابني من أهلي عمل غير صالح: {فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين} قال: فبلغني أن نوحًا عليه السلام بكى على قول الله: {إني أعظك أن تكون من الجاهلين} أربعين عامًا.
وأخرج أحمد في الزهد عن وهيب بن الورد الحضرمي قال: لما عاتب الله نوحًا عليه السلام في ابنه، وأنزل عليه: {إني أعظك أن تكون من الجاهلين} بكى ثلاثمائة حتى صارت تحت عينيه مثل الجدول من البكاء.
{قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (48)}
أخرج أبو الشيخ عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله: {قيل يا نوح اهبط بسلام منا...} الآية. قال: اهبطوا والله عنهم راض، واهبطوا بسلام من الله كانوا أهل رحمته من أهل ذلك، ثم أخرج منهم نسلًا بعد ذلك أممًا منهم من رحم، ومنهم من عذب وقرأ: {وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم} قال: إنما افترقت الأمم من تلك العصابة التي خرجت من ذلك الماء وسلمت.
وأخرج أبو الشيخ عن الحسن رضي الله عنه في قوله: {اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك} قال: فما زال الله يأخذ لنا بسهمنا وحظنا، وكذلك يذكرنا من حيث لا نذكر أنفسنا كلما هلكت أمة جعلنا في أصلاب من ينجو بلطفه حتى جعلنا في خير أمة أخرجت للناس.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن السني في الطب النبوي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أوّل شجر غرس نوح عليه السلام حين خرج من السفينة الآس.
وأخرج أبو الشيخ عن عثمان بن أبي العاتكة. أن أوّل شيء تكلم به نوح عليه السلام حين استقرت به قدماه على الأرض حين خرج من السفينة أن قال: يا مور اتقن، كلمة بالسريانية: يعني يا مولاي اصلح.
وأخرج أبو الشيخ وابن عساكر عن وهب بن منبه قال: لما أغرق الله قوم نوح أوحى إلى نوح عليه السلام أني خلقت خلقًا بيدي وأمرتهم بطاعتي فعصوني واستأثروا غضبي، فعذبت من لم يعصني من خلفي بذنب من عصاني، فبي حلفت وأي شيء مثلي لا أعذب بالغرق العامة بعد هذا، وإني جعلت قوسي أمانًا لعبادي وبلادي من الغرق إلى يوم القيامة، وكانت القوس فيها سهم ووتر، فلما فرغ الله من هذا القول إلى نوح نزع الوتر والسهم من القوس وجعلها أمانًا لعباده وبلاده من الغرق.
وأخرج ابن عساكر عن خصيف قال: لما هبط نوح من السفينة وأشرف من جبل حسماء رأى تل حران بين نهرين فأتى حران فخطها ثم أتى دمشق فخطها، فكانت حران أول مدينة خطت بعد الطوفان ثم دمشق.
وأخرج ابن عساكر عن كعب الأحبار رضي الله عنه قال: أول حائط وضع على وجه الأرض بعد الطوفان حائط حران ودمشق ثم بابل.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن محمد بن كعب القرظي قال: دخل في ذلك السلام والبركات كل مؤمن ومؤمنة إلى يوم القيامة، ودخل في ذلك المتاع والعذاب الأليم كل كافر وكافرة إلى يوم القيامة.
وأخرج ابن جرير عن الضحاك رضي الله عنه: {وعلى أمم ممن معك} يعني ممن لم يولد أوجب الله لهم البركات لما سبق لهم في علم الله من السعاد: {وأمم سنمتعهم} يعني متاع الحياة الدنيا، ثم يمسهم منا عذاب أليم لما سبق لهم في علم الله من الشقاوة.
وأخرج أحمد في الزهد عن كعب رضي الله عنه قال: لم يزل بعد نوح عليه السلام في الأرض أربعة عشر يدفع بهم العذاب. اهـ.

.شبهات في قصة نوح عليه السلام:

قال الفخر:
قصة نوح عليه السلام:
وفيها شبهات:
الأولى: تمسكوا بقوله تعالى: {ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلى وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين قال يا نوح انه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إنى أعظك أن تكون من الجاهلين} من وجهين:
الأول: أن قوله تعالى: {إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح} يدل على أنه لم يكن ابنا، وإذا كان كذلك كان قوله: {إن ابني من أهلى} كذبا، وهو معصية.
الثاني: أن سؤال نوح عليه السلام كان معصية لثلاث آيات:
أحدها: قوله: {لا تسألن ما ليس لك به علم إنى أعظك أن تكون من الجاهلين}.
وثانيها: قوله خبرا عن نوح: {قال رب إنى أعوذ بك أن أسألك ما ليس لى به علم وإلا تغفر لى وترحمني أكن من الخاسرين}.
وثالثها: قوله: {إنه عمل غير صالح} وفيها قراءتان قراءة الكسائي عمل غير صالح، والمعنى أن ابنك عمل غير صالح والباقون بالتنوين والرفع. والاول مرجوح لأنه يقتضى إضمار الموصوف وهو على خلاف الاصل فتعينت القراءة الثانية، والهاء في قوله: {إنه} ضمير والضمير لابد وأن يكون عائدا إلى مذكور سابق والمذكور السابق هاهنا إما السؤال وإما الابن لا يجوز عوده إلى الابن لان الابن لا يكون عملا غير صالح بل ذا عمل غير صالح، فيقتضى الاضمار، وإنه خلاف الاصل. فثبت أن الضمير عائد إلى السؤال فثبت أن ذلك كان عملا غير صالح.
والجواب عن الأول أن المفسرين اختلفوا في هذا الابن على ثلاثة أقوال:
الأول: فالأكثرون على انه كان ابنا له لصلبه وهو الاقوى لقوله تعالى: {ونادى نوح ابنه} ثم اختلفوا فمنهم من قال ليس من اهلك الذين وعدتك أن أنجيهم معك، وقيل: ليس من أهل دينك وهذا قول ابن عباس وسعيد بن جبير والضحاك وعكرمة وميمون بن مهران.
الثاني: أنه كان ابن امرأته إلا أنه لاختلاطه بأبنائه واهل بيته أطلق عليه لفظ الابن، كما أن ابليس لاختلاطه بالملائكة اطلق عليه اسم الملك. ويدل عليه قوله: {ان ابني من اهلي} ولم يقل منى، ويروى ذلك عن الباقين.
الثالث: أنه ولد على فراشه لغير رشدة، وهو المروى عن الحسن ومجاهد وابن جريج وعبيد بن عمير. وهذان القولان ضعيفان، لقوله تعالى: {ونادى نوح ابنه} والثالث أضعف لأنه يجب تنزيه منصب الأنبياء عن مثل هذه الفضيحة وعن الشبهة الثانية انا لا نسلم أنه دعا لابنه مطلقا، بل يشترط الايمان لا يقال: فلم قال الله تعالى: {لا تسألن ما ليس لك به علم} وقال: {إنى أعظك أن تكون من الجاهلين} وقال نوح: {رب إنى أعوذ بك أن أسألك ما ليس لى به علم}؟ لانا نقول: يمتنع ان يكون نوح عليه السلام نهى عن ذلك وإن لم يقع ذلك منه، كما أن نبينا عليه الصلاة والسلام نهى عن الشرك لقوله تعالى: {لئن أشركت ليحبطن عمالك} وإن لم يقع ذلك منه، فأما قوله تعالى: {إنى أعظك أن تكون من الجاهلين} فمعناه أن لا تكون منهم. ولا شك أن وعظه تعالى الذى صرف نوحا عليه السلام عن الجهل. وأما قول نوح عليه السلام: {إنى اعوذ بك أن أسألك ما ليس لى به علم} فلا دلالة فيه على أنه فعل ذلك سلمنا أنه دعاله مطلقا، ولكن لشفقته الطبيعية قال ما قال، والعقل لا ينكر الدعاء للكافر، وإنما يمنع منه الشرع، فلعله دعاء بمقتضى الطبع إلى ان ورد الشرع بالنهي عنه لا يقال: فلم سأل من غير إذن؟ لانا نقول: لما لم يجد نصا مانعا منه تمسك في الجواز بالاباحة الاصلية، أو نقول: إنما كان مسلما في الظاهر، وكان نوح عليه السلام مأذونا في الدعاء للمسلمين فدعا له بحكم الظاهر وذلك جائز لقوله عليه السلام: «نحن نحكم بالظاهر» أو نقول: هب أنه أخطأ في ذلك، لكن إن قلت: إن ذلك من الكبائر لقوله هذا سؤال (عمل غير صالح) قلنا: لا نسلم والتعويل في تغيير هذا القسم على كون الإضمار بخلاف الاصل ضعيف لان الادلة الدالة على عصمة الأنبياء اقوى من الدليل الدال على كون الإضمار بخلاف الأصل. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال السمين:

{وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45)}
قوله تعالى: {فَقَالَ}: عطفٌ على {نادى} قال الزمخشري فإن قلت: وإذا كان النداءُ هو قوله: {رَبّ} فكيف عطف فقال ربِّ على نادى بالفاء؟ قلت: أريد بالنداء إرادةُ النداء، ولو أريد النداءُ نفسه لجاء كما جاء في قوله: {إِذْ نادى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا} قال: {ربِّ} بغير فاء.
قوله تعالى: {عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ}: قرأ الكسائي: {عَمِل} فعلًا ماضيًا، و{غيرَ} نصبا، والباقون: {عَمَلٌ} بفتح الميمِ وتنوينهِ على أنه اسمٌ، و{غيرُ} بالرفع. فقراءةُ الكسائي: الضمير فيها يتعيَّنُ عَوْدُه على ابن نوح، وفاعل {عمل} ضميرٌ يعودُ عليه أيضًا، و{غيرَ} مفعول به. ويجوز أن يكونَ نعتًا لمصدرٍ محذوف، تقديرُه: عَمل عملًا غيرَ صالحٍ كقوله: {واعملوا صَالِحًا} [المؤمنون: 51].
وأمَّا قراءةُ الباقين ففي الضمير أوجه، أظهرها: أنه عائدٌ على ابنِ نوح، ويكونُ في الإِخبار عنه بالمصدر المذاهبُ الثلاثةُ في رجل عدل. والثاني: أنه يعود على النداء المفهوم مِنْ قوله: {ونادى}، أي: نداؤك وسؤالُك. وإلى هذا ذهب أبو البقاء ومكي والزمخشري. وهذا فيه خطرٌ عظيم، كيف يُقال ذلك في حقِّ نبي من الأنبياء، فضلًا عن أول رسولٍ أُرْسِل إلى أهل الأرض من بعدِ آدم عليهما السلام؟ ولما حكاه أبو القاسم قال: وليس بذاك ولقد أصاب. واستدلَّ من قال بذلك أنَّ في حرف عبد اللَّه بن مسعود {إنه عملٌ غيرُ صالحٍ أن تسألني ما ليس لك به علمٌ} وهذا مخالِفٌ للسَّواد.
الثالث: أنه يعودُ على ركوب ابنِ نوح المدلولِ عليه بقوله: {اركب معنا}. الرابع: أنَّه يعودُ على تركه الركوب وكونِه مع المؤمنين، أي: إنَّ تَرْكَه الركوبَ مع المؤمنين وكونَه مع الكافرين عملٌ غيرُ صالح، وعلى الأوجهِ الثلاثةِ لا يُحتاج في الإِخبارِ بالمصدر [إلى] تأويلٍ، لأنَّ كليهما معنى من المعاني، وعلى الوجه الرابع يكون من كلامِ نوح عليه السلام، أي: إنَّ نوحًا قال: إنَّ كونَك مع الكافرين وتَرْكَك الركوبَ معنا غيرُ صالح، بخلاف ما تقدَّم فإنه مِنْ قول اللَّه تعالى فقط، هكذا قال مكي وفيه نظرٌ، بل الظاهرُ أنَّ الكلَّ مِنْ كلام اللَّه تعالى. قال الزمخشري: فإن قلت: هلا قيل: إنه عملٌ فاسِدٌ. قلت: لَمَّا نفاه عن أهله نفى عنه صفتَهم بكلمةِ النفي التي يستبقي معها لفظَ المنفي، وآذن بذلك أنَّه إنما أَنْجى مَنْ أَنْجى لصلاحهم لا لأنهم أهلُك.
قوله: {فَلاَ تَسْأَلْنِي} قرأ نافع وابن عامر {فلا تسألَنِّ} بتشديدِ النون مكسورةً من غير ياء. وابنُ كثير بتشديدها مع الفتح، وأبو عمرو والكوفيون بنونٍ مكسورةٍ خفيفة، وياءٍ وصلًا [لأبي عمرو]، ودون ياء في [الحالين] للكوفيين. وفي الكهف: {فَلاَ تَسْأَلْني عَن شَيءٍ} [الآية: 70] قرأه أبو عمرو والكوفيون كقراءتهم هنا، وافقهم ابنُ كثير في الكهف، وأمَّا نافعٌ وابن عامر فكقراءتهما هنا، ولابن ذكوان خلافٌ في ثبوتِ الياء وحَذْفها، وإنما قرأ ابن كثير التي في هود بالفتح دونَ التي في الكهف؛ لأنَّ الياء في هود ساقطة في الرسم، فكانت قراءتُه بفتحِ النون محتملةً بخلاف الكهف فإنَّ الياءَ ثابتةٌ في الرسم فلا يُوافِق فيه فَتْحُها.
وقد تقدَّم خلافُ ابن ذكوان في ثبوتِ الياء في الكهف.
فَمَنْ خَفَّف النونَ فهي نونُ الوقاية وحَدَها، ومَنْ شدَّدها فهي نون التوكيد. وابنُ كثير لم يَجْعل في هود الفعلَ متصلًا بياء المتكلم، والباقون جعلوه، فَلَزِمهم الكسرُ. وقد تقدَّم أنَّ سأل يتعدى لاثنين أوَّلُهما ياء المتكلم، والثاني: {مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}.
قوله: {أَن تَكُونَ} على حذف حرف الجر، أي: مِنْ أن تكون أو لأجلِ أن، وقوله: {مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} يجوزُ في به أن يتعلَّق ب عِلْم. قال الفارسي: ويكونُ مثلَ قوله:
كان جَزائي بالعَصا أن أُجْلَدا

ويجوز أن يتعلَّقَ بالاستقرار الذي تَعَلَّق به لك. والباء بمعنى في، أي: ما ليس لك به عِلْمٌ. وفيه نظرٌ.
{قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (47)}
قوله تعالى: {وَإِلاَّ تَغْفِرْ}: لم تَمْنَعْ لا من عمل الجازم كما لم تمنعْ مِنْ عمل الجارِّ في نحو: جِئْتُ بلا زادٍ. قال أبو البقاء: لأنها كالجزء من الفعل وهي غيرُ عاملة في النفي، وهي تنفي ما في المستقبل، وليس كذلك ما فإنها تنفي ما في الحال، فلذلك لم يَجُزْ أَنْ تَدْخُلَ إنْ عليها.
{قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (48)}
قوله تعالى: {قِيلَ يا نوح}: الخلافُ المتقدم في قوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ} [البقرة: 13] وشبهِه عائدُ هنا، أي: في كونِ القائمِ مقامَ الفاعل الجملة المحكيةَ أو ضميرَ مصدرِ الفعل.
قوله: {بِسَلاَمٍ} حال من فاعل {اهبط}، أي: ملتسبًا بسلام. و{منا} صفةٌ ل {سلام} فيتعلَّق بمحذوف أو هو متعلقٌ بنفسِ سلام، وابتداءُ الغايةِ مجازٌ، وكذلك {عليك} يجوز أن يكونَ صفةً لبركات أو متعلقًا بها.
قوله: {مِّمَّن مَّعَكَ} يجوزُ في {مَنْ} أن تكونَ لابتداء الغاية، أي: ناشئة من الذين معك، وهم الأمم المؤمنون إلى آخر الدهر، ويجوزُ أن تكونَ {مِنْ} لبيان الجنس، فيراد الأمم الذين كانوا معه في السفينة، لأنهم كانوا جماعاتٍ. وقرئ: {اهبُط} بضم الباء، وقد تقدم أول البقرة. وقرأ الكسائي فيما نُقِل عنه {وبركة} بالتوحيد.
قوله: {وأُمَمٍ} يجوزُ أَنْ يكونَ مبتدأ، و{سنمتِّعهم} خبره، وفي مسوِّغ الابتداءِ وجهان، أحدهما: الوصفُ التقديري، إذ التقديرُ: وأممٌ منهم، أي: ممَّن معك كقولهم: السَّمْن مَنَوان بدرهم فمنوان مبتدأٌ وُصِف بمنه تقديرًا. والثاني: أنَّ المسوِّغ لذلك التفصيلُ نحو: الناسُ رجلان: رجلٌ أَهَنْتُ، وآخَرُ أكرمتُ ومنه قولُ امرئ القيس:
إذا ما بكى مِنْ خَلْفِها انحرفَتْ له ** بشقٍّ وشِقٌّ عندنا لم يُحَوَّل

ويجوز أن يكونَ مرفوعًا بالفاعلية عطفًا على الضمير المستتر في {اهبط} وأغنى الفصلُ عن التأكيد بالضمير المنفصل، قاله أبو البقاء قال الشيخ: وهذا التقديرُ والمعنى لا يصلحان، لأن الذين كانوا مع نوح في السفينة إنما كانوا مؤمنين لقوله: {ومَنْ آمنَ} ولم يكونوا كفَّارًا ومؤمنين، فيكون الكفار مأمورِين بالهبوط، إلا إنْ قُدِّر أنَّ مِن المؤمنين مَنْ يكفر بعد الهبوط، وأخبر عنهم بالحال التي يَؤُولون إليها فيمكن على بُعْدٍ. قلت: وقد تقدَّم أنَّ مثلَ ذلك لا يجوز، في قول: {اسكن أَنْتَ وَزَوْجُكَ} [البقرة: 35] لأمرٍ صناعي، و{سنمتِّعُهم} على هذا صفةٌ ل {أمم}، والواوُ يجوز أن تكونَ للحال. قال الأخفش: كما تقول: كلَّمْتُ زيدًا وعمروٌ جالس ويجوز أن تكونَ لمجردِ النَّسَق. اهـ.